مجلة حمورابي/ السنة الخامسة – العدد الأول (كانون الثاني – شباط – آذار – نيسان – آيار – حزيران) 2023-----الفرق بين العدل والمساواة/ القاضي علي عبد الغني جلاب العتابي/ رئيس جمعية القضاء العراقي-----التغييرات المتتالية في قوانين الوكالة التجارية العراقية/ الأستاذ الدكتور أكرم ياملكي-----الدية بين الشريعة الاسلامية والعرف العشائري والقانون العراقي/ القاضي/ احمد محمود عبد التميمي/ رئاسة محكمة استئناف ديالى-----ضرورة مواكبة التشريعات للتطورات/ الدكتور عصمت عبد المجيد بكر-----ترجيح الاحكام/ د. لفته هامل العجيلي مدرس- جامعة الامام جعفر الصادق (ع) وقاض متقاعد-----الأحكام والقرارات/ قرارات المحكمة الاتحادية العليا – قرارات محكمة التمييز الاتحادية – قرارات محاكم الاستئناف بصفتها التمييزية-----الاخلال بالكفالة الجزائية وتطبيقاتها القضائية/ اعداد القاضي/ مازن وسمي المرسومي/ نائب رئيس محكمة استئناف الانبار-----تعليق على قرار حكم/ التعليق على قرار محكمة استئناف القادسية بصفتها التمييزية بالعدد 24/ت/تنفيذ/2023 في 9/2/2023 القاضي فلاح كريم وناس/ نائب رئيس محكمة استئناف واسط-----قرأت لك/ قراءة القاضي فلاح كريم وناس/ نائب رئيس محكمة استئناف واسط-----مكتبة حمورابي/ نافذة على الاصدارات القانونية الحديثة والتعريف بها، وندعو الباحثين من قضاة وأساتذة جامعات لإرسال نتاجاتهم للتعريف بها مع نبذة مختصرة عن مضامينها/ اعداد واختيار د. لفته هامل العجيلي

مواضيع العدد

                                                                                بسم الله الرحمن الرحيم

 

             رئيس التحرير

 

                 القاضي

 

              غالب عامر الغريباوي

 

 

  الحمد لله وحدة والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أبي القاسم محمد وعلى آله وصحبه المنتجبين.

 

إن معايير القضاء الحديث متطورة ومتجددة لذا لابد من إيجاد كافة السبل التي تجعل القضاء قادر على مواكبة التطور الحاصل في كافة مجالات الحياة، اذ يعد القضاء من اهم الركائز الأساسية التي تقوم عليها الدول, لذا يجب على القضاء ان يستوعب جميع التطورات التي تحصل من حوله والارتقاء بالأداء القضائي الذي يتمحور حول معرفة وتحديد عوامل التطور وتنفيذ متطلباته.

 

ولا شك ان العالم يشهد تحولات اقتصادية واجتماعية ناتجة في اغلبها عن التطور التكنولوجي الهائل وتطور وسائل الاتصالات، الامر الذي يتطلب التفكير والبحث في تطوير النظام القضائي وإدارة المؤسسة القضائية وإدارة الدعاوى، لان حضارات الدول تقاس بوجود قضاء عادل ومستقل وكفوء وأضحت قوة الدول تقاس بمدى توفر العدل فيها، ولاشك ان العدل يرتبط بالقضاء فلا عدل بغير قضاء، ولا يقوى على توفير العدل إلا قضاء مستقل يقوم على العلم والقيم والتقاليد القضائية العريقة فضلا عن قدرته على مواكبة التطورات التي تحصل في المجتمع.

 

ان التطورات الاقتصادية والاجتماعية المتسرعة ولدت كثيرا من المفاهيم الجديدة التي تعمل على إيجاد السبل الكفيلة بمواكبة تلك التطورات ومنها مفهوم التنمية.

 

ان مفهوم التنمية بأبعاده المختلفة يعتمد على الفعل التطويري بأشكاله المتنوعة والذي يؤدي الى رفع مستوى الأداء والارتقاء بالمجتمع من مستوى أدنى الى مستوى اعلى نسبياً، وهي عملية متعددة الابعاد وتشمل كل جوانب الحياة، فهناك تنمية اقتصادية وأخرى اجتماعية وكذلك سياسية وإدارية، وكل هذه الجوانب تناولها الكتاب والباحثون لتحديد مفهوم كل منها وأسبابه ونتائجه على مختلف جوانب الحياة.

 

كما ساد في السنوات القريبة الماضية والى الان مفهوم التنمية البشرية والذي يعني بتطوير مهارات الانسان وقدراته حتى يتمكن وبمجهوده من الارتقاء بمستوى الأداء عن طريق زيادة الخيارات المتوفرة بغية الوصول الى مستوى حياتي لائق.

 

اما مفهوم التنمية القضائية فانه لازال مفهوما غير واضح المعالم ولم يتم تناوله او مناقشته من قبل الباحثين سواء في الأبحاث القانونية والقضائية او الأبحاث التي تعنى بالعلوم الإنسانية بشكل عام، وهذا ما يتضح جليا عند الدخول على شبكات البحث الالكتروني المختلفة وإدخال هذا المصطلح في البحث اذ لن تجد أي بحث او دراسة او حتى تحديد لهذا المفهوم، وهذا ما دفعني الى تناوله وقد اشرت لذلك في افتتاحية العدد الأول.

 

ان مفهوم التنمية القضائية ليس ملازما لتطوير التشكيلات القضائية والتشكيلات الإدارية المسؤولة عن إدارة المؤسسة القضائية وان كانت الحاجة الى تحقق الحد الأدنى من هذه الأمور المادية ذات تأثير كبير في تحقيق التنمية القضائية، فضلا عن ان هذا المفهوم لا يعني افتتاح مبان جديدة للقضاء على الرغم ان التوسع في ذلك يترك أثره في تحقق المفهوم الذي نتحدث عنه.

 

ان مفهوم التنمية القضائية هو تنمية وتطوير الأهداف والأفكار المرتبطة بالعمل القضائي، فالمؤسسة القضائية في أي بلد من البلدان تبنى على أساس فكري يرسم الاطار العام للأهداف التي ينبغي لتلك المؤسسة تحقيقها والتي تنص اغلب الدساتير عليها، ومن ابرزها نشر قيم العدالة وصيانة الحقوق العامة والخاصة وتامين الحريات المشروعة وحفظ الامن المجتمعي وتسهيل إجراءات التقاضي والإسراع فيها وتنمية علم القضاء وفن التقاضي فضلا عن الهدف الاسمى وهو تحقيق الاستقلال والاقتدار، أي استقلال السلطة القضائية عن السلطات الأخرى واقتدار أعضائها على اصدار القرارات البعيدة عن أي تأثير لغير القانون، ولعل اهداف أخرى يجب ان تضاف اذا ما تم التوسع في البحث.

 

فالتنمية القضائية تعني تطوير الأساليب لتحقيق تلك الأهداف ومن خلالها يقاس مدى نجاح السلطة القضائية في ميدان التنمية.

 

 ان مفهوم التنمية ليس ملازما لتطوير التشكيلات القضائية او الإدارية المسؤولة عن إدارة المؤسسة القضائية، وان كانت تلك التشكيلات والتي هي الموارد البشرية المسؤولة عن العمل القضائي وإدارته تعد ركنا مهما من اركان السلطة القضائية، أي ان التنمية القضائية لا تتطلب الزيادة في اعداد تلك الموارد بقدر ما تتطلب الاهتمام بالشروط الواجب توافرها في المتصدين لأمر القضاء من القضاة الذين يتعاملون مع حريات الناس وأموالهم وأعراضهم، او الكوادر البشرية المساعدة للقضاة في أداء تلك المهام.

 

ومن بين تلك الشروط هي العناية والدقة في اختيار القضاة وبذل ذات الجهود في اعدادهم، فلا يمكن ان نتوقع تحقق العدل من قضاة لا نبذل الجهد الكافي في اختيارهم وإعدادهم، فالاهتمام بالجهاز البشري العامل في القضاء يعد من اهم شروط التنمية القضائية وكما ينبغي الاهتمام بتلك الجوانب ينبغي كذلك الاهتمام بمتابعة اعمال القضاة وسلوكياتهم وإيجاد السبل الكفيلة لتقويمهم او حتى لإبعادهم عن القضاء في حال أصبح أي منهم غير اهل لتولي تلك المهام.

 

كما يعد من شروط التنمية القضائية تطوير التشريعات الإجرائية و الموضوعية بغية مواكبة التطورات المتسارعة في الجوانب التكنولوجية التي أصبحت جزء من حياة الافراد في كافة المجتمعات لأجل إيصال الحقوق الى أصحابها بأيسر واسرع الطرق القانونية، وفي ذلك تفصيلات كثيرة لا اجد محلا لها هنا باعتبار ان افتتاحية المجلة تكون محلا للإشارة الى موضوع هام وليس محلا لتفصيلاته الدقيقة، ولكن في هذا المجال نقول ينبغي تعديل التشريعات لما يسمح باستخدام التكنولوجيا في تسجيل الدعاوى والقضايا الجزائية وفي استيفاء الرسوم وفي اجراء التبليغات والإجابة عنها وإجابات الخصوم على طلبات المدعين، وفي اعلام الخصوم بالقرارات التي تصدر في الدعاوى وفي تقديم الطعون عليها وفي اعلامهم بنتائج تلك الطعون، والسماح باستعمال التكنولوجيا الحديثة في الإجراءات التحقيقية لتحقق الأدلة والنص على اعتبارها من الأدلة القانونية وكذا الحال في الدعاوى المدنية ودعاوى الأحوال الشخصية كاستعمال البصمة الالكترونية والتوقيع الالكتروني والبصمة الوراثية، وكذلك تعديل التشريعات لما يسمح بإنجاز الحجج والمعاملات التي تدخل ضمن اختصاص القضاء.

 

وكما ذكرنا ان مفهوم التنمية القضائية ليس لازما لتطوير التشكيلات فأننا ذكرنا ان ذات المفهوم لا يعني افتتاح مباني جديد للقضاء رغم ان التوسع في ذلك يترك اثره في تحقق ذلك المفهوم، ولكن من المؤكد ان الاهتمام بتطوير البنى التحتية للمؤسسات القضائية يعد عاملاً مهما من عومل التنمية القضائية من خلال تجهيز المحاكم بأحدث التقنيات والأجهزة التكنولوجية وحوسبة المحاكم والإدارات على أسس تقنية عالية وتدريب القضاة والموظفين على علوم الحاسوب والانترنت والاستفادة القصوى من هذه التقنية وأعداد نظام الكتروني شامل للإجراءات القضائية داخل المحاكم وتأهيل وتطوير المباني بما يتناسب مع توافر تلك الخدمات.

 

كما يعد من العوامل المهمة بالتنمية القضائية وضع برامج إستراتيجية لإدارة وتطوير وتحديث العملية التدريبية للقضاة والعاملين معهم داخليا وخارجيا والاهتمام ببرامج التدريب والتأهيل العلمي والعملي وإعادة اعداد برامج ومواد التدريب على أسس حديثة وابتكار وسيلة التدريب الذاتي لتشجيع القضاة على اعداد ندوات ومؤتمرات وورش عمل فيما بينهم او بالتعاون مع المؤسسات القضائية العربية والعالمية والاهتمام بإيجاد المكتبات الالكترونية في المحاكم وتطويرها للاستفادة القصوى من ثورة المعلومات القانونية والإطلاع على الأنظمة القانونية المختلفة من خلال المكتبات العربية والعالمية.

 

كما يعد من اهم أسس التنمية انشاء إدارة للتخطيط الاستراتيجي تقوم بوضع الخطط الاستراتيجية للمؤسسة القضائية ومتابعة تنفيذها لتحقق نتائج الأداء المطلوب وتقديم ما يلزم لدعمها من خلال تحديد المشاكل والمعوقات ووضع الحلول لها سعيا لتطوير القضاء والارتقاء بمستوى الأداء وتبسيط إجراءات التقاضي والسرعة في اصدار الاحكام.

 

لقد اثبتت التجارب الإنسانية العالمية انه مهما وضعت النصوص القانونية ومهما عملت السلطات التشريعية على توالي تعديلها تبقى دائما عاجزة عن إيجاد الحلول لكل القضايا، لأنها أولا قد وضعت من قبل الانسان الذي يتسم بطبيعته بالنقص، ولان تلك النصوص ومهما بلغت تبقى متناهية باعتبار عددها، لكن الوقائع تبقى متجددة ولا تتناهى، فيبقى الملاذ هو القضاء لتقدير تلك الوقائع وتطويع تلك النصوص والاجتهاد القضائي في ذلك بغية إيجاد الحلول لها ليكون عادلا في حكمه، قوياً في قراره، صائباً في اجتهاده، وسريعاً في إيصال الحقوق الى أصحابها.

 

وقولنا قبل الختام ان قضائنا اليوم في العراق المنفتح على كل المجالات لم يبق كما هو بالأمس منغلقا على نفسه، فقضاء اليوم أصبحت له مسؤوليات متعددة تأتي أولا من تعدد اختصاصاته سواء في الميدان الجنائي الذي كثرت تشعباته امام كثرة الجرائم وتعددها وتنوع وتطور اساليبها او في الميدان المدني الذي هو الاخر قد توسعت نزاعاته في كل المجلات لاسيما حينما انخرط في الالتزامات الدولية التي صارت تتخذ اشكالا وأنماط من الارتباطات والعقود لاسيما في الميدان التجاري، وتأتي ثانيا من خلال ما ادركه القضاء من مسؤولية كبيرة في معالجة الحالات والظواهر المجتمعية الجديدة بعد ان عجزت السلطات التشريعية المتعاقبة عن إيجاد النصوص القانونية لمعالجتها، فانبرى القضاء لإيجاد الحلول القضائية لمكافحة تلك الظواهر والتعامل بالحزم القانوني معها من خلال تطويع النصوص القانونية النافذة باجتهاد قضائي غير مسبوق، ومن تلك الظواهر على سبيل المثال لا الحصر جرائم الفساد المالي والإداري وجرائم الابتزاز الالكتروني وجرائم التهديد بأساليبها المتهورة والمؤثرة على السلم المجتمعي او ما تسمى (الدكة العشائرية) وجرائم التدخل في أمور الزواج ومنع الأشخاص من الزواج حسب اختياراتهم (النهوة العشائرية) وجرائم القمار وغسيل الأموال.

 

فضلا عن ان إدارة المؤسسة القضائية في العراق المتمثلة في مجلس القضاء الأعلى سعت وتسعى جاهدة لتحقيق مستلزمات التنمية القضائية وان كانت لم تتبن هذا المفهوم (التنمية القضائية)، وإنا على ثقة كاملة بأنها ستقف عند ما ذكرته في هذه الافتتاحية وسيتبنى مجلس القضاء الأعلى وضع استراتيجية كاملة لتحقيق كافة مستلزمات التنمية القضائية لأنه يسعى جاهد مجدا لوضع القضاء العراقي في مقدمة البلدان المتطورة قضائيا لا على مستوى المنطقة بل على المستوى العالمي.

 

نسأل الله تعالى التوفيق والسداد لكل من يسعى لإيجاد قضاء عراقي مستقل، عادل متطور

 

                                          القاضي

 

                                             غالب عامر الغريباوي

 

                                              رئيس جمعية القضاء العراقي